الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تصديق القرآن الكريم للكتب السماوية وهيمنته عليها
.مظاهر هيمنة القرآن على الكتب السماوية: لهيمنة القرآن على كتب الله المنزلة قبله -فوق ما تقدم من تصديقه لها- مظاهر متعددة منها ما يلي:1- أن القرآن الكريم أخبر بتحريف هذه الكتب وتبديلها، وأنها لم تبق على ما كان مفروضا فيها من الثقة بها وحقية كل ما فيها، بل تناولتها أيدي أهل الكتاب الآثمة بالتحريف والتبديل، وتناولوا ما بقي منها بالتأويل الفاسد، طبقا للأهواء والشهوات، أو متابعة لذوي السلطان، أو محاولة لكسب الجدل على أعدائهم وخصومهم، بل أخبر القرآن كذلك أنهم كتبوا الكتب بأيديهم ونسبوها إلى الله زورا وبهتانا: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ}.2- بين القرآن الكريم من المسائل الكبرى التي خالفوا فيها الحق واختلفوا فيها.ففي جانب العقائد -على سبيل المثال- نفى ما صرّحت به الأناجيل من قتل عيسى عليه السلام وصلبه فقال: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} وحكم على النصارى بالكفر لقولهم بالتثليث وألوهية المسيح فقال: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.أما التوراة فإنها تنسِب إلى الله -تعالى- كثيرا من النقائص التي جاء القرآن بدحضها وإبطالها، وتصوره المراجع الإسرائيلية الحالية كالتوراة والتلمود بصورة بشرية محضة، فهو: يحب ريح الشواء، ويتمشى في ظلال الحديقة ليتبرد بهوائها، و يصارع عباده ويصارعونه، ويندم على خلق الإنسان، ويمشي على رجليه حتى يصيبه التعب والكلال، فيجلس للراحة في ظل شجرة، يحدث سفر التكوين: (أن إبراهيم رأى الرب ومعه ملكان فاستضافهم وأطعمهم وسقاهم وغسل أرجلهم ثم رحلوا من عنده).وتقول التوراة الحالية: (فأكملت السموات والأرض وكل جندها وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل، وبارك الله اليوم السابع وقدسه، لأنه فيه استراح من جميع عمله).إلى غير ذلك من المثل الكثيرة الموجودة في التوراة الحالية، تعالى الله عن كل ما قالوا علوا كبيرا، ولقد تكفل القرآن بدحض هذه الأباطيل حيث وصف الحق -جل وعلا- بكل كمال يليق بذاته ونزهه عن كل نقص.قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} فكيف تصفه كتبهم بالتعب والكلال؟!!.ولقد أخبر القرآن أنهم نسبوا إلى الله الولد، كما وصفه اليهود المعاصرون للنبي صلى الله عليه وسلم بالفقر والبخل وغل اليد ثم كرّ على ذلك بالإبطال والدحض، قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}.وقال: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}.وقال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}.- كما بين القرآن كثيرا من المسائل التي أخفوها، أو حاولوا إخفاءها، فمن ذلك أن الدارس لأسفار العهد القديم يرى أنها (قد خلت من ذكر اليوم الآخر ونعيمه وجحيمه -وإذا كانت اليهودية في أصلها تقرر البعث والنشور والحساب والجنة والنار، كما ينبئ بذلك القرآن- فإن ذلك يدل على أن اليوم الآخر وما فيه وما يتصل به من المسائل التي أخفاها أهل الكتاب).ومن ذلك أيضا إخفاؤهم ما يتصل بخاتم الرسل من بشائر ونعوت وتحريفهم لها بالحذف أو بالتأويل الفاسد، فجاء القرآن بالحق في ذلك كله: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ}.4- ومن مظاهر هيمنة القرآن على ما سبقه من كتب، أنه أنهى العمل بها فلا اعتبار لها بجانبه، لأنه شغل الفراغ كله بتشريعه الجديد وليس لأحد أن يركن إلى ما جاء بها بعد أن تسرب الباطل إليها، ولعبت الأيدي الأثيمة بها.ولا ينافي ما تقدم من أن القرآن الكريم قد أنهى العمل بما سبقه من كتب الله، أنه أقر كثير من أحكامها ولم يتناوله بنسخ، لأنه أمر بهذه الأحكام وأقرها من جديد، فعملنا بها ليس متابعة لهذه الكتب بل لإقرار القرآن لها وأمره بها (لأن هيمنة القرآن على غيره واستئنافه للتشريع، لا يكون بالتقليد لغيره، بل بالإقرار الجديد وإن كان موافقا أحيانا لما سبقه، وهذا معنى قوله تعالى لرسوله: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}، بمعنى بما أنزل عليك، وقد أنزل عليه كل ما في شريعة الإسلام ونسخ به كل ما سبقه {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً}.وطريق الجمع بين الآيات أن يقال: إن كل آية دلت على اتحاد الشرائع فهي محمولة على مقاصد الدين وأصول العبادات، وأما الآيات الدالة على اختلافها فمحمولة على الفروع وما يتعلق بظواهر العبادات، فجائز أن يتعبد الله عباده في كل وقت بما شاء.وبذلك يزول ما قد يبدو من تعارض بين آيات القرآن الكريم الذي لا يختلف ولا يتعارض ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لأنه {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}. |